الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
أما بعد.
فقد أرسل إليَّ أحد الإخوة يريد جواباً على شبهة وهي بيان العلاقة بين قول الله تعالى{ أوفوا بالعقود} وقوله تعالى في الآية ذاتها { أحلت لكم بهيمة الأنعام}، يقول ما علاقة العقود ببهيمة الأنعام؟!
فأقول وبالله التوفيق.
قال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد} سورة المائدة:1.
قوله تعالى{أوفوا بالعقود}،
العقود ثلاثة:
* عقد بين العبد وربه، وهذا عقد التوحيد.
* وعقد بين العبد ونفسه؛ كعقد النذر، وعقد العتق، فهو يعقده وهو ملزم به من طرف واحد.
* وعقد بين العبد والعبد؛ كعقد البيع، والإجارة، ونحو ذلك.
وأهم هذه العقود وأصلها هو عقد التوحيد، وهذا العقد يتضمن أن الحكم لله، والتحليل لله، والتحريم لله، ولذلك قال:{أوفوا بالعقود أحلت}، هذا كلام في الحلال والحرام، {أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم}، يعني: تحريمه من الخنزير والميتة ونحو ذلك.
فالله سبحانه وتعالى هو الذي خلق، وهو الذي رزق، وفرض على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وهذا هو تحقيق التوحيد بإفراد الله تعالى في العبودية والربوبية، ومن لوازم ذلك أنه هو الذي يشرع لعباده ويبين لهم الحلال من الحرام، فذكر لهم صورة من التحليل والتحريم فقال:{أحلت لكم بهيمة الأنعام}، فذكر ما أحله لعباده جملة، ثم فصَّل بعد ذلك ما حرمه عليهم في نفس سياق الآيات، فقال: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب...}. فمن كمال توحيد الله والإيمان به أن يمتثل المسلم ما أحله الله، وأن يجتنب ما حرمه الله، لذلك خاطب عباده بلفظ {يا أيها الذين آمنوا}، فالمؤمنون هم الذين يعظمون حدود الله تعالى ويمتثلونها وليس لهم من أمرهم خيرة إلا ما اختاره الله تعالى، ولذلك وصف الله تعالى المؤمنين بقوله {ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}.
وقال تعالى في بيان سرعة استجابتهم لأوامر الله تعالى وامتثالها: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون}.
والله أعلم.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه، صلى الله عليه وسلم.
كتبه أخوكم
محمد بن صلاح الصيرفي
29 شوال 1432هـ