الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله، وعلى آله وصحبه .
أما بعد.
فقد قرأت اليوم قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}.
فقلت في نفسي ما الفرق بين الصبر، والتصبر، والمصابرة، والاصطبار، فبحثت عن هذه المعاني في أقوال أهل العلم، فوجدت كلاماً نفيساً لابن القيم رحمه الله في هذا الشأن.
يقول رحمه الله :" باب : في الفرق بين الصبر والتصبر والاصطبار والمصابرة.
الفرق بين هذه الأسماء بحسب حال العبد في نفسه وحاله مع غيره:
* فإن حبس نفسه ومنعها عن إجابة داعي ما لا يحسن إن كان خُلُقا له ومَلَكه سمي "صبرا".
* وان كان بتكلف وتمرن وتجرع لمرارته سمي "تصبرا"...
* وإذا تكلفه العبد واستدعاه صار سجية له كما في الحديث عن النبي أنه قال «ومن يتصبر يصبره الله».
وكذلك العبد يتكلف التعفف حتى يصير التعفف له سجية كذلك سائر الأخلاق...
* وأما "الاصطبار" : فهو أبلغ من التصبر، فإنه افتعال للصبر بمنزلة الاكتساب، فالتصبر مبدأ الاصطبار، كما أن التكسب مقدمة الاكتساب فلا يزال التصبر يتكرر حتى يصير اصطبارا.
* وأما "المصابرة" فهي مقاومة الخصم في ميدان الصبر، فإنها مفاعلة تستدعى وقوعها بين اثنين كالمشاتمة والمضاربة.
قال الله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}، فأمرهم بالصبر: وهو حال الصابر في نفسه.
والمصابرة: وهى حاله في الصبر مع خصمه.
والمرابطة: وهى الثبات واللزوم والإقامة على الصبر والمصابرة فقد يصبر العبد ولا يصابر، وقد يصابر ولا يرابط، وقد يصبر ويصابر ويرابط من غير تعبد بالتقوى.
فأخبر سبحانه أن ملاك ذلك كله التقوى وأن الفلاح موقوف عليها فقال:{واتقوا الله لعلكم تفلحون}.
فالمرابطة كما أنها لزوم الثغر الذي يخاف هجوم العدو منه في الظاهر، فهي لزوم ثغر القلب لئلا يدخل منه الهوى والشيطان فيزيله عن ملكته.
اللهم اهدنا، واهدي بنا، واجعلنا سببا لمن اهتدى، اللهم اجعلنا من أهل الجنة، ولا تجعلنا من أهل النار.
اللهم اغفر لنا ما قدمنا، وما أخرنا، وما أسررنا، وما أعلنا، وما أسرفنا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
والحمد لله رب العالمين.
كتبه أخوكم
محمد بن صلاح الصيرفي
1 شعبان 1433هـ