الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله وعلى آله وصحبه.
أما بعد.
فقد أخبرني من أثق به، أن من المسلمين من تأثر بأفكار أهل الكفر من اليهود والنصارى، نظراً لوجوده معهم وإقامته بينهم، ومخالطته لهم في عملهم أو في سوقهم، أو في طرقاتهم.
وهذا أمر خطير، لابد التنبه إليه، والحذر منه، فإن من عاش بين أهل الكفر ولم يتفقه في دينه حتى يستطيع أن يرد الفتن والشبهات عن نفسه وعن دينه، فهذا يخشى عليه أن يكفر بدينه ويتبع دين اليهود أو النصارى وهو لا يشعر، فيعادي أهل الإسلام، ويوالي أهل الكفر والعصيان.
وذلك لأن هذا الأخ – بارك الله فيه- أخبرني بأحد المسلمين الذين يعيشون بين أظهر اليهود أنه يمتدح هؤلاء القوم ويقول بقولهم وأنهم شعب الله المختار.
وهذا أمر خطير ، فلقد شهد الله تعالى بكفر اليهود والنصارى في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقد كتبت قبل ذلك مقالاً عن "الأدلة من الكتاب والسنة على كفر اليهود والنصارى".
* فأقول لكل من يعيش بين أهل الكفر، إما أن تتقي الله في نفسك فتتعلم من أمور دينك وعقيدتك ما يجعلك توالي أهل الإسلام ، وتعادي أهل الكفر والعصيان حتى بقلبك إن لم تستطع بلسانك فإن ذلك أضعف الإيمان.
وإما أن تهاجر إلى أرض إسلام إن لم تتمكن من إقامة دينك وشعائر الإسلام في هذا المكان الذي يسكنه ويسيطر عليه أهل الكفر.
وإما أن تقرأ هذا الحديث وتتدبر ما فيه، وهو ليس بشرى لمن أراد العيش بين أهل الكفر لغير حاجة.
أخرجه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني من حديث جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :« أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين».
فهذه مصيبة كبيرة أن يتبرأ النبي من مسلم بسبب إقامته بين أهل كفر.
وأذكره بقول الله تعالى:{ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما}.
قال الحافظ ابن كثير في " تفسيره ": " نزلت هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام
بين ظهراني المشركين ، و هو قادر على الهجرة، و ليس متمكنا من إقامة الدين ، فهو ظالم لنفسه ، مرتكب حراما بالإجماع ، و بنص هذه الآية " .
و إن مما لا يشك فيه العالم الفقيه أن الآية بعمومها تدل على أكثر من الهجرة من بلاد الكفر .
وقد صرح بذلك الإمام القرطبي ، فقال في " تفسيره ": "و في هذه الآية دليل على هجران الأرض التي يعمل فيها بالمعاصي.
وقال سعيد ابن جبير :"إذا عمل بالمعاصي في أرض فاخرج منها، و تلا : {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها}".
وهذه الرسالة معذرة إلى ربكم، حتى لا يقول قائل، لم أعلم، ولم يخبرني أحد.
اللهم ألهمنا رشدنا، وتولى أمرنا، وأحسن ختامنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا.
هدى الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
كتبه أخوكم
محمد بن صلاح الصيرفي
19 رمضان 1432هـ