الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
أما بعد.
فإن تدبر القرآن والوقوف عند معاني الآيات لهو من أفضل الأعمال، وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله سبحانه وتعالى على سائر خلقه، فما أجمل أن تغتنم الأوقات في تدبر هذا القرآن والبحث عن معانيه، ففهم معاني القرآن يجعل العبد يشعر بعظيم فضل هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
*قوله تعالى{إن المتقين}، أي المؤمنين الذين يتَّقون الشرك بالله، ويعملون بطاعة الله، فهم الذين اتَّقوا ما حرّم الله عليهم، وأدوا ما افترض الله عليهم، وهم الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم.
ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا يبلغ العبد أن يكون من المتَّقين حتى يدع ما لا بأس به حذرًا مما به بأس»، قال الترمذي: حسن غريب.
* وقوله:{في جنات ونهر} أي: في بساتين مختلفة، وجنان متنوعة، وأنهار متدفقة.
وقوله تعالى :{في مقعد صدق} ولم يقل : في مجلس صدق ؛ لأن القعود جلوس فيه مكثٌ فأشار إلى دَوَامِه وثَبَاتِهِ, ولأن حروف " ق ع د " كيف دارتْ تدل على ذلك والاستعمال في القعود يدل على ذلك ومنه:{لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}, وقوله {مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} إشارة إلى الثبات وكذا قوله:{عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ}, فذكر المقعد لدوامه أو لطوله.
وقال في المجلس:{تَفَسَّحُواْ فِي الْمَجَالِسِ}إشارة إلى الحركة, وقال {انشُزُواْ}، إلى ترك الجلوس أي هو مجلس فلا يجب ملازمته بخلاف المقعد.
وقوله :{مقعد صدق} أي مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم وهو الجنة، قال جَعفرُ الصادق: مَدَحَ الله المكانَ بالصِّدق فلا يقعد فيه إلا أهل الصدق.
وقوله:{عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} أي يقدر على ما يشاء، و{عِنْدَ} هاهنا عندية القربة والزلفة والمكانة والرتبة والكرامة والمنزلة، فهم مقربينَ عند مليكٍ لا يُقادَرُ قدرُ ملكِه وسلطانِه فلا شيءَ إلاَّ وهو تحتَ ملكوتِه سبحانَهُ ما أعظمَ شأنَهُ.
فاللهم اجعلنا من المتقين الصادقين مع الذين قلت فيهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر، إنك أنت السميع العليم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه أخوكم
محمد بن صلاح الصيرفي
21 / 12 / 1433هـ