الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
أما بعد.
* قوله تعالى:{وأنذرهم } أي: خوف الكفار وبالأخص أهل مكة في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك كل من كذب هذه الدعوة على مر العصور، وتتابع الدهور، أنذرهم وحذرهم من هذا اليوم العظيم الذي وصفه الله تعالى في هذا الموضع بيوم الحسرة.
* وقوله تعالى:{يوم الحسرة } يعني : يوم القيامة يتحسر المسيء إذ لم يحسن، والمقصر إذ لم يزدد من الخير.
فكل من كتب منكراً أو نشره أو دعا إليه، فإنه يتحسر في هذا اليوم على ما بدر منه.
وكذلك كل من استهزأ بالحق، وتنقص منه، واعترض على أحكام الله تعالى الشرعية، فتجرأ على كتاب الله تعالى، فعطَّل أحكامه، واعتدى على سنة النبي صلى الله عليه وسلم،فاستهزأ بأهلها، ومن دعا إليها، وكذلك تنقص من العلماء، فإنه يتحسر في هذا اليوم.
* وموجبات الحسرة يوم القيامة كثيرة ، فمن ذلك ما روى أبو سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، قيل : يا أهل الجنة ، فيشرئبون وينظرون، وقيل: يا أهل النار فيشرئبون وينظرون، فيجاء بالموت كأنه كبش أملح، فيقال لهم: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: هذا الموت، فيذبح، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت؛ ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:{وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون} ". قال المفسرون : فهذه هي الحسرة إذا ذبح الموت، فلو مات أحد فرحا مات أهل الجنة ، ولو مات أحد حزنا مات أهل النار .
* ومن موجبات الحسرة ، ما روى عدي بن حاتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :"«يؤتى يوم القيامة بناس إلى الجنة، حتى إذا دنوا منها واستنشقوا ريحها ونظروا إلى قصورها، نودوا: أن اصرفوهم عنها، لا نصيب لهم فيها، فيرجعون بحسرة ما رجع الأولون بمثلها، فيقولون : يا ربنا لو أدخلتنا النار قبل أن ترينا ما أريتنا كان أهون علينا؛ قال : ذلك أردت بكم، كنتم إذا خلوتم بارزتموني بالعظائم، وإذا لقيتم الناس لقيتموهم مخبتين، تراؤون الناس بخلاف ما تعطوني من قلوبكم، هبتم الناس ولم تهابوني، وأجللتم الناس ولم تجلوني، تركتم للناس ولم تتركوا لي، فاليوم أذيقكم العذاب مع ما حرمتكم من الثواب" .
وهذا الحديث يذكره أهل العلم في تفسير هذه الآية، وليعلم أن هذا الحديث موضوع، ففي إسناده أبو جنادة، وهو حصين بن المخارق متهم بالكذب، قال الدارقطني يضع الحديث، وقال ابن حبان لا تجوز الرواية عنه ولا الاحتجاج به إلا على سبيل الاعتبار.
وأوردته هنا على سبيل الاعتبار، فليعلم.
* ومن موجبات الحسرة ما روي عن ابن مسعود قال: ليس من نفس يوم القيامة إلا وهي تنظر إلى بيت في الجنة ، وبيت في النار ، ثم يقال : يعني لهؤلاء : لو عملتم، ولأهل الجنة : لولا أن من الله عليكم .
* ومن موجبات الحسرة : قطع الرجاء عند إطباق النار على أهلها.
*قوله تعالى : {إذ قضي الأمر } قال ابن الأنباري : «قضي» في اللغة بمعنى : أتقن وأحكم ، وإنما سمي الحاكم قاضيا ، لإتقانه وإحكامه ما ينفذ، وفي الآية اختصار، والمعنى : إذ قضي الأمر الذي فيه هلاكهم .
وللمفسرين في "الأمر" قولان:
أحدهما : أنه ذبح الموت ، والثاني : أن المعنى : قضي العذاب لهم، والآية تحتمل القولين.
*قوله تعالى:{وهم في غفلة} أي : هم في الدنيا في غفلة عما يصنع بهم ذلك اليوم {وهم لا يؤمنون} بما يكون في الآخرة .
فاللهم إنا نعوذ بك من الغفلة التي هي سبب كل حسرة، إنك سميع مجيب.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على البشير النذير، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وكتبه أخوكم
محمد بن صلاح الصيرفي
10 / 11 / 1433هـ