الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم، فهذه كلمات جمعتها حول خوف السلف من النفاق، تذكيرا لنفسي ولإخواني حتى لا يغتر أحد بنفسه ، فيقع في دائرة النفاق وهو لا يشعر، فالله أسأل أن يغفر لنا وأن يرحمنا وأن يجعلنا من الصادقين، المؤمنين المحتسبين، ، وقد اشتملت هذه السطور على نقاط أولها:
تعريف النفاق:
النفاق لغة مصدر نافق، يُقال : نافق يُنافق نفاقًا ومنافقة، وهو مأخوذ من النافقاء : أحد مخارج اليربوع من جحره ؛ فإنه إذا طلب من مخرج هرب إلى الآخر، وخرج منه، وقيل : هو من النفق وهو : السِّرُ الذي يستتر فيه.
وأما النفاق في الشرع فمعناه : إظهارُ الإسلام والخير، وإبطانُ الكفر والشر ؛ سمي بذلك لأنه يدخل في الشرع من باب، ويخرج منه من باب آخر، وعلى ذلك نبه الله تعالى بقوله{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} أي : الخارجون من الشرع([1]) .
معنى النفاق:
قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمة الله تعالي :"لفظ النفاق قد قيل، أنه لم تكن العرب تكلمت به ولكنه مأخوذ من كلامهم فإن نفق يشبه خرج ومنه نفقت الدابة: إذا ماتت -خرجت منها الروح-، ومنه نافقا واليربوع (حيوان صحراوي يقوم بكتم أحد جحريه ويظهر غيره )، والنفق في الأرض قال تعالى :{وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ}، فالمنافق هو الذي خرج من الإيمان باطنا بعد دخوله فيه ظاهراً، وقيد النفاق بأنه نفاق من الإيمان، ومن الناس من يسمي من خرج عن طاعة الملك نافقا عليه، لكن النفاق الذي في القرآن هو النفاق على الرسول صلى الله عليه وسلم، فخطاب الله ورسوله للناس بهذه الأسماء كخطاب الناس بغيرها وهو خطاب مقيد خاص لا مطلق يحتمل أنواعاًً". انتهى كلامه رحمه الله([2]).
صور من خوف السلف من النفاق:
قال إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ :" مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلَّا خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مُكَذِّبًا".
وقال الحسن البصري – عن النفاق - :" مَا خَافَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا أَمِنَهُ إِلَّا مُنَافِقٌ"([3]).
قال ابن القيم رحمه الله:"وبحسب إيمان العبد ومعرفته يكون خوفه أن يكون من أهل هذه الطبقة، ولهذا اشتد خوف سادة الأمة وسابقيها على أنفسهم أن يكونوا منهم، فكان عمر يقول لحذيفة: ناشدتك الله هل سماني رسول الله مع القوم ؟ فيقول: لا، ولا أزكي بعدك أحداً، يعني : لا أفتح عليّ هذا الباب في تزكية الناس، وليس معناه أنه لم يَبرأ من النفاق غيرك([4]).
وقد خاف كبار الأولياء على أنفسهم من هذا :
1- قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ([5]).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:"والصحابة الذين أدركهم ابن أبي مليكة من أجلِّهم: عائشة، وأختها أسماء، وأم سلمة، والعبادلة الأربعة، وأبو هريرة، وعقبة بن الحارث، والمسور بن مخرمة, فهؤلاء ممن سمع منهم , وقد أدرك بالسن جماعة أجل من هؤلاء : كعلي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص , وقد جزم بأنهم كانوا يخافون النفاق في الأعمال , ولم ينقل عن غيرهم خلاف ذلك فكأنه إجماع ؛ وذلك لأن المؤمن قد يعرض عليه في عمله ما يشوبه مما يخالف الإخلاص، ولا يلزم من خوفهم من ذلك وقوعه منهم, بل ذلك على سبيل المبالغة منهم في الورع والتقوى رضي الله عنهم"([6]).
2- قال الحافظ ابن رجب الحنبلي – رحمه الله - :"وقال الجعد أبو عثمان : قلت لأبي رجاء العطاردي : هل أدركت من أدركت من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يخشون النفاق؟ قال : نعم، إني أدركت بحمد الله منهم صدراً حسناً، نعم، شديداً، نعم، شديداً، وكان قد أدرك عمر".
3- وقال رحمه الله :"وممن كان يتعوذ من النفاق من الصحابة : حذيفة، وأبو الدرداء، وأبو أيوب الأنصاري، وأما التابعون : فكثير، قال ابن سيرين : ما علي شيء أخوف من هذه الآية {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ}([7]).
وقال أيوب: كل آية في القرآن فيها ذكر النفاق أخافها على نفسي، وقال معاوية بن قرة : كان عمر يخشاه وآمنه أنا ؟، وكلام الحسن في هذا المعنى كثير جدّاً، وكذلك كلام أئمة الإسلام بعدهم .
وقال الإمام أحمد - في رواية ابن هانيء وسئل:" ما تقول فيمن لا يخاف النفاق على نفسه؟- فقال :" ومن يأمن على نفسه النفاق؟"([8]).
وهنا ننبه إلى أمرين مهمين :الأول:
أن أولئك الأئمة من الصحابة ومن بعدهم كان النفاق الذين يخشونه هو نفاق العمل، وهو الطريق إلى نفاق القلب الذي يؤدي بصاحبه إلى النار –والعياذ بالله-، وهذا النفاق هو الوارد في جملة من الأحاديث تحذر المسلم من التخلق بأخلاقهم، ومنها :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خََصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ»([9]).
ورواه الترمذي رحمه الله(2632)وقال بعده :"وإنما معنى هذا عند أهل العلم : نفاق العمل، وإنما كان نفاق التكذيب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، هكذا روي عن الحسن البصري شيء من هذا أنه قال : النفاق نفاقان : نفاق العمل، ونفاق التكذيب" اهـ.
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي – رحمه الله - :"وأصل هذا يرجع إلى ما سبق ذكره : أن النفاق أصغر، وأكبر ؛ فالنفاق الأصغر: هو نفاق العمل، وهو الذي خافه هؤلاء على أنفسهم؛ وهو باب النفاق الأكبر، فيُخشى على من غلب عليه خصال النفاق الأصغر في حياته أن يخرجه ذلك إلى النفاق الأكبر حتى ينسلخ من الإيمان بالكلية، كما قال تعالى ]فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} ([10])
وقال{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّة}([11])
والأمر الثاني :
أن هؤلاء الكبار كانوا أبر الناس قلوباً، وأشدهم تعظيماً لحرمات، وأبعدهم عن انتهاك حدوده، لكن الواحد منهم لكمال علمه بربه، وخوفه من مقامه، يرى الذنب الصغير – إن وقع فيه – كبيراً، بل كان بعضهم يخاف من الرياء، وآخر يخاف أن يكون مقصراً في العمل فيكون قوله مخالفاً لفعله، وآخرون ظنوا أن اشتغالهم بالمباح في بيوتهم مع زوجاتهم، وأولادهم مع وجود الخشوع والرقة في مجالس الذكر ظنوا ذلك من النفاق .
عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ قَالَ : لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ : كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «وَمَا ذَاكَ ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :« وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ»([12]).
قال النووي – رحمه الله - :قوله : "عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات"
قال الهروي وغيره: معناه حاولنا ذلك ومارسناه واشتغلنا به, أي : عالجنا معايشنا وحظوظنا, والضيعات: وهي معاش الرجل من مال، أو حرفة، أو صناعة.
قوله : "نافق حنظلة" معناه : أنه خاف أنه منافق, حيث كان يحصل له الخوف في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم , ويظهر عليه ذلك مع المراقبة والفكر, والإقبال على الآخرة, فإذا خرج اشتغل بالزوجة والأولاد ومعاش الدنيا, وأصل النفاق إظهار ما يكتم خلافه من الشر, فخاف أن يكون ذلك نفاقا , فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس بنفاق, وأنهم لا يكلفون الدوام على ذلك,«ساعة وساعة» أي : ساعة كذا وساعة كذا([13]).
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله:"ولما تقرر عند الصحابة رضي الله عنهم أن النفاق هو اختلاف السر والعلانية، خشي بعضهم على نفسه أن يكون إذا تغير عليه حضور قلبه ورقته وخشوعه عند سماع الذكر برجوعه إلى الدنيا والاشتغال بالأهل، والأولاد، والأموال أن يكون ذلك منه نفاقاً، كما في صحيح مسلم عن حنظلة الأسدي ... – وساق الحديث([14]).
خطورة النفاق والمنافقين:
فلا شك إذا أن الله تعالى قد أكثر من ذكر النفاق لنكون على بينة منه. قال تعالى:{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} ([15]).
فنحذر من النفاق في ذوات أنفسنا ونحذر من المنافقين.
خطر النفاق على النفس:
قال د.إياد:" اللحظة الحاسمة...هي تلك التي يعرف فيها المنافق أنه هالك...استفاق من حلم الخلود في نعيم الجنة إلى يقين الخلود في عذاب النار...لحظة رهيبة يخاف منها كل مؤمن... مر المؤمنون عبر محطات التنقية فتمايزوا عن الكفار الصرحاء، لكن ما زال في صفوفهم منافقون...والمنافق تتعاظم أمانيه في النجاة ولم يبق للجنة إلا خطوات...خطوات تحتاج نورا لإبصار الطريق...لكن المؤمنين تقدموا بنورهم تاركين المنافقين في ظلمات كظلمات نفاقهم وشكهم في الدنيا...وما زال لديهم أماني...بعضهم لا يعلم أن ما كان عليه هو النفاق، وبعضهم يظن أنه ينجو بما نجا به في الدنيا من كذب وخداع...ظن أن حيلته تنطلي حتى على ربه عز وجل...فينادي المنافق كما يصف رب العزة:{ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}([16]).
خادعوا الله تعالى طويلا فخدعهم {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}([17]).
عادوا يلتمسون نورا يصلون به إلى النعيم المقيم فضرب السور وهووا في عذاب الجحيم...لحظة فاصلة مرعبة مهولة...فاسأل نفسك يا أخي: هل سأكون قبل السور أم بعده عند هذه اللحظة...تصور نفسك وقد ضرب السور من خلفك فعلمت أنك مؤمن ناج...فتجثو على ركبتيك وتبكي مطأطئا رأسك من شدة الفرح والامتنان لله تعالى أن شملك برحمته...أم يا ترى يُضرب السور أمامك فتوضع الأغلال في عنقك وتسحب بالسلاسل إلى نار جهنم...إلى قعرها ودركها الأسفل:((إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار))([18]).
قال ابن القيم:"فإن بلية الإسلام بهم (بالمنافقين) شديدة جداً لأنهم منسوبون إليه وإلى نصرته وموالاته وهم أعداؤه في الحقيقة، يخرجون عداوته في كل قالب يظن الجاهل أنه علم وإصلاح وهو غاية الجهل والإفساد. فلِلَّه كم من معقل للإسلام قد هدموه! وكم من حصن له قد قلعوا أساسه وخربوه! وكم من علم له قد طمسوه! وكم من لواء له مرفوع قد وضعوه! وكم ضربوا بمعاول الشبه في أصول غراسه ليقلعوها! وكم عموا عيون موارده بآرائهم ليدفنوها ويقطعوها! فلا يزال الإسلام وأهله منهم في محنة وبلية. ولا يزال يطرقه من شبههم سرية بعد سرية. ويزعمون أنهم بذلك مصلحون! ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون"([19]).
ولخطورتهم قال الله تعالى: {هم العدو فاحذرهم} فحصر العداوة فيهم كأن لا عدو غيرهم لأنهم شر الأعداء.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إن أخوف ما أخاف على أمتي من بعدي منافق عليم اللسان»([20]).
فالمنافق عليم اللسان يقبح الحق ويجمل الباطل ببيانه...وقد يستدل في مسعاه الخبيث هذا بقال الله وقال رسوله...حاملا النصوص على غير محملها.
وهذا معنى قول ابن القيم :"وكم عموا عيون موارده بآرائهم ليدفنوها ويقطعوها". فالمنافق الملسن يحاول دفن الحقيقة ونصر آرائه السقيمة مستخدما في ذلك بلاغته وخلطه للأمور تعمية على الناس.
ولخطورتهم أمرنا الله تعالى أن نتخذ منهم موقفا واضحا حازما..فلم يرض من المؤمنين أن ينقسموا في شأنهم فئتين.. فَتَلين فئة في شأنهم..{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا}([21]).
وإنما أحب للمؤمنين أن يجتمعوا على جهاد المنافقين والغلظة عليهم{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} ([22]).
ونفى النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عمن لم يجاهدهم:«مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ»([23]).
ونهى الله تعالى نبيه والمسلمين عن طاعة المنافقين:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ}([24]).