الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان».
فجعل تغيير المنكر على درجات ثلاث.
الدرجة الأولى: باليد، إذا استطاع العبد ذلك ، وسيتضح الأمر إن شاء الله في المثال الذي سأذكره بعد قليل.
الدرجة الثانية: التغيير باللسان، وذلك يكون بعد العجز عن التغيير باليد.
الدرجة الثالثة : وهي الأخيرة: التغيير بالقلب، ويحصل إذا لم يستطع الإنسان تغيير المنكر بيده أو بلسانه، وهي بغض القلب لهذا المنكر، وكراهيته.
فنوع النبي صلى الله عليه وسلم، هذا الأمر، وهو تغيير المنكر على حسب أحوال الناس، فمنهم من يستطيع أن يغير بيده، فهذا الأولى له أن يغير المنكر بيده.
ومنهم من لا يستطيع أن يغيره بيده، وقد لا يحق له أن يغيره بيده، لأن في تغييره بيده قد يقع مفسدة أكبر مما أنكرها بيده، لذلك أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أن يغير بلسانه ويكتفي بهذا فقط، ويسقط عنه التغيير باليد.
ومثال ذلك : رجل رأى منكرا في بيت أحد جيرانه، أياً كان هذا المنكر ، فماذا يصنع؟
الجواب: هو لا يحق له أن يغير بيده لأنه لا يملك هذا،
فإن حاول التغيير باليد، فقد وقع في محظور أكبر مما أراد أن ينهى عنه.
ففي هذه الحال ينكر بلسانه، بأن يخاطب صاحب البيت، ويرشده إلى أن هذا الفعل منكر، ويغضب الله، فإن وافقه صاحب البيت واستجاب له وغير هذا المنكر الذي في بيته، فهو حسن، وهذا ما نريده.
أما إن رفض صاحب البيت،
فنقول للذي يريد إنكار المنكر أنت قدمت ما عليك، ويكفيك الآن أن تنكر بقلبك، أي تبغض هذا الفعل.
المثال الثاني :
رجل دخل بيته فوجد فيه منكرا، الواجب عليه أن يغير بيده، فيزيل هذا المنكر.
وهذا واضح، أنه يستطيع هذا فهو في بيته، وكل يسمع له ويطيع، إذا كان صاحب البيت، أما إذا كان هو الابن، ورأى مثلاً منكرا في أحد إخوانه، فإنه إن كان باستطاعته تغييره بيده، ولا يغضب والده، فهذا أولى، أما إن غير بيده، وأغضب والداه، فنقول له لا تغير بيدك، ولكن غير بلسانك، وانصح والدك أن يغير هو بيده.
المثال الثالث:
رجل رأى منكرا في مكان لا يستطيع أن يصل إليه، سمعه أو شاهده في وسائل الإعلام مثلا.
نقول له : إن لم تستطع التواصل مع أصحاب هذا المنكر، فيكفيك أن تغير بقلبك، ولا شيء عليك.
أما قول النبي صلى الله عليه وسلم (وذلك أضعف الإيمان) لأن من لم ينكر بأدني درجات الإنكار وهو القلب، ليس بمؤمن، ولا يعني هذا أنه كافر، بل هو مسلم، ولكن لم يحقق شروط الإيمان.
كتبه أخوكم
محمد بن صلاح الصيرفي
18 شعبان 1433هـ