الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
أما بعد.
فإن المتتبع لكتاب الله تعالى يجد أن الله تعالى لم يذكر اللعب في القرآن بخير، وفي هذه السطور نستعرض ما ورد في القرآن من اشتقاقات هذه الكلمة.
* أولاً: لفظ " لعب ".
* قال تعالى{وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون}.
* وقال تعالى: {إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم}.
* وقال تعالى :{ اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}.
* وقال تعالى {وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب}.
وتكرر لفظ اللعب مع الدنيا ليؤكد لنا أن هذه الحياة الدنيا إنما هي لعب ولهو، ومن العجيب أن هذا اللفظ تكرر أربع مرات في وصف الدنيا، وسيأتي مكررا أربع مرات بلفظ " لعباً " في وصف دين الكفار.
* ثانياً: لفظ " يلعبون ".
* قال تعالى:{قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون}.
* وقال تعالى:{ أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون}.
* وقال تعالى :{ ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون}.
* وقال تعالى :{ لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين (8) بل هم في شك يلعبون}.
* وقال تعالى :{ فويل يومئذ للمكذبين (11) الذين هم في خوض يلعبون}.
وهذا اللفظ " يلعبون" لم يرد إلا خاصا بالكفار، وكأن الله يريد أن يعطينا إشارة لطيفة إلى أن الكافر من صفته اللهو واللعب والعبث، أما المؤمن فحياته مليئة بالعمل والجد والأهداف، وهذا هو أساس النجاح في الحياة.
* ثالثاً: لفظ " لعباً ".
* قال تعالى {الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون}.
* وقال تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار}.
* وقال تعالى {وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا}.
* وقال تعالى { وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون}.
في هذه الآيات ذكر لفظ اللعب مقرونا بالدين، وكذلك دين الكفار فهم يتخذونه لهوا ولعباً، وتعدد اللفظ أربع مرات مع الدين تأكيداً لحال دين الكفار.
* رابعاً: لفظ "نلعب" ، ولفظ " يلعبوا ".
* وقال تعالى { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون}.
* قال تعالى :{ فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون}.
تكررت هذه الآية بلفظها في سورة الزخرف وفي سورة المعارج ، وفي تكرارها بنفس الكلمات،ما يؤكد لنا على ضرورة أن نترك هؤلاء الذين يخوضوا ضد الدين ويستهزئوا ويلعبوا في أفكارهم وكلامهم، فهم لابد أن يلاقوا ذلك اليوم الذي سيكون كالصاعقة بالنسبة لهم.
هذا ما وقفت عليه في عجالة، وتبين لي بعده أن الله لم يذكر اللعب في القرآن بخير ، فما هو اللعب المباح؟.
اللعب المباح منه ما هو عام يباح للشخص في جميع مراحل عمره، ولا يختص به جيل عن جيل، وذلك مثل ما جاء في "صحيح البخاري" من قوله صلى الله عليه وسلم: «كل ما يلهو به الرجل المسلم فهو باطل؛ إلا رميته بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، فإنهن من الحق».
ومثل هذه المذكورات ما كان من الرياضة فيه بناء الجسم وحفظ الصحة، كالسباحة والمبارزة والمصارعة.
فهذا أو مثله لا بأس في ممارسته في أي مرحلة من مراحل العمر، إذا لم يحتف به ما يجعله محرماً.
ولكن لا ينبغي للعاقل أن يجعله غاية في نفسه، وهدفاً مطلوبا لذاته، بل يجعله وسيلة لما أمر الله به من الإعداد والأخذ بأسباب النصر، أو لغرض الترويح عن النفس، والمحافظة على الصحة.
ومن اللعب أيضاً ما هو خاص بنوع دون غيره، وذلك مثل اتخاذ الصور التي لها ظل فهذا جائز للبنات دون غيرهن، من أجل تعويدهن على الشفقة على الصغار وتربيتهم.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
كتبه أخوكم
محمد بن صلاح الصيرفي
14 شعبان 1433هـ