×
العربية

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

المكتبة المقروءة / مقالات / كف الأذى عن الناس

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:1153

الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
أما بعد.
فإن من أبواب العبادات التي لا يفطن لها بعض الصالحين عبادة كف الأذى عن المسلمين فكثير من الناس يتصور أن الخير محصور في أداء الشعائر وبذل المعروف فحسب.
إن كف الأذى عن كل مسلم عبادة جليلة دل الكتاب والسنة على فضلها وعظم منزلتها. قال تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوًّا مُبِينً}([1]).
وعن أبي موسى الأشعري قال: قلنا يا رسول الله : أي الإسلام أفضل؟ قال:«من سلم المسلمون من لسانه ويده» متفق عليه([2]).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يتناج اثنان دون صاحبهما ولا يقيم الرجل أخاه من مجلسه ثم يجلس»، رواه أحمد([3]).
وقد عرَّف الحسن البصري حسن الخلق بأنه "كف الأذى، وبذل الندى، وطلاقة الوجه".
قال ابن عثيمين رحمه الله:"ومعنى كف الأذى، أن الإنسان يكف أذاه عن غيره سواء كان هذا الأذى يتعلق بالمال، أو يتعلق بالنفس، أو يتعلق بالعرض، فمن لم يكف أذاه عن الخلق فليس حسن الخُلق، بل هو سيئ الخُلق".
وصدق القائل:
إذا شئت أن تحيا سليما من الأذى *** وحظك موفور وعرضك صين.
لسانك لا تذكر به عورة امرئ *** فكلك عورات وللناس ألسن.
وعينك إن أبـدت إليـك معائباً *** لقوم فقل:يا عين للناس أعين.
إن الشارع نهى عن أذى المسلمين لعظم حرمة المسلم، ولأن ذلك يفضي إلى وقوع العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع، ويؤدي إلى انتشار الفوضى وزعزعة الأمن الاجتماعي وقطيعة الرحم وانصرام حبال المودة بين الأصحاب.
إن المسلم كما يؤجر على فعل الطاعات وبذل المعروف كذلك يؤجر على كف الأذى وصرف الشر عن المسلمين؛ لأن ذلك من المعروف وداخل في معنى الصدقة .
قال أبو ذر: قلت: يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال:«تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك»، متفق عليه([4]).
إن الله عز وجل كما تعبدنا بفعل الطاعات تعبدنا أيضا بحفظ حرمة المسلمين وعدم التعدي عليها بنوع من الأذى.
وبعض الناس هداهم الله لا يستشعر في حسه عظم هذا الأمر فتراه مع حرصه على الصلاة والصيام وسائر العبادات يتعدى على أخيه المسلم ويؤذي المسلمين ويتهاون في هذا الأمر تهاونا شديدا.
إن الباعث على الاستخفاف بحرمة المسلم والتساهل في إيذاء المسلمين ناشئ عن الجهل وقلة الوعي وبلادة الطبع، وقد تكون البيئة عاملاً مؤثراً في تكوين هذه الشخصية العدائية ولا شك أن تربية الأسرة عامل مؤثر أيضا على سلوك الفرد هذا السلوك والتخلق به.
إن إيذاء الله ورسوله والمسلمين ورد فيه وعيد شديد وعقوبة أخروية قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}([5]).
واختلف أهل التفسير في قوله تعالى{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} فيمن نزلت على ثلاثة أقوال:
أحدها : في الذين طعنوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اتخذ صفيَّة بنتُ حيَيّ، قاله ابن عباس.
والثاني: نزلت في المصوِّرين، قاله عكرمة .
والثالث: في المشركين واليهود والنصارى، وصفوا الله بالولد وكذَّبوا رسوله وشجُّوا وجهه وكسروا رَباعيَته، وقالوا : مجنون شاعر ساحر كذَّاب .
ومعنى أذى الله : وصفُه بما هو منزَّه عنه، وعصيانُه؛ ولعنُهم في الدنيا : بالقتل والجلاء، وفي الآخرة : بالنار([6]).
وأيضاً اختلفوا في قوله تعالى:{والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات} في سبب نزولها أربعة أقوال:
أحدها : أن عمر بن الخطاب رأى جارية متبرِّجة فضربها وكفَّ ما رأى من زينتها، فذهبت إِلى أهلها تشكو، فخرجوا إِليه فآذَوْه، فنزلت هذه الآية، رواه عطاء عن ابن عباس.
والثاني: أنها نزلت في الزُّناة الذين كانوا يمشون في طرق المدينة يتبعون النساء إِذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن، فيرَون المرأة فيدنون منها فيغمزونها؛ وإِنما كانوا يؤذون الإِماء، غير أنه لم تكن الأَمَة تُعرَف من الحرة، فشكون ذلك إِلى أزواجهنّ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية، قاله السدي.
والثالث: أنها نزلت فيمن تكلَّم في عائشة وصفوان بن المعطِّل بالإِفك، قاله الضحاك.
والرابع: أن ناساً من المنافقين آذَوا عليّ بن أبي طالب، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل .
قال المفسرون: ومعنى الآية : يرمونهم بما ليس فيهم([7]).
أنواع الأذى :
إن إيذاء الغير يشمل كل أذى حسي ومعنوي فيدخل في ذلك الاعتداء على مال الغير وأهله وولده ودمه والاستيلاء على أملاكه بغير وجه حق ويشمل أيضا الاستهزاء واللمز والسخرية بالغير.
* فمن صور الإيذاء الشائع إيذاء الجيران، فعن أبي هريرة قال: قال رجل: يا رسول الله إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال:«هي في النار».
قال: يا رسول الله فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصلاتها وصدقتها وأنها تصدق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي جيرانها بلسانها. قال:«هي في الجنة». أخرجه أحمد([8]).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِي جَارَهُ» متفق عليه([9]).
ومن صور إيذاء الجار حسده وتمني زوال النعمة عنه، أو السخرية به واحتقاره، أو إشاعة أخباره وأسراره بين الناس، أو الكذب عليه وتنفير الناس منه، أو تتبّع عثراته والفرح بزلاته، أو مضايقته في المسكن أو موقف السيارة، أو إلقاء الأذى عند بابه، أو التطلّع إلى عوراته.
إن المسلم ليتألم عندما يلاحظ في المجتمع الإسلامي كثرة المشاكل والتدهور في العلاقات بين الجيران فتجد جارا يكيد بجاره المكائد والمصائب، وآخر لا يتكلم مع جاره لأيام طويلة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول «وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ»([10])، أي ثلاث ليال.
وآخر لا يعرف أن جاره يمر بمناسبة سعيدة فيهنئه أو حزينة فيواسيه ويعزيه.
وأخطر من ذلك أن تجد جيرانا يعيشون في عمارة واحدة ولا يتعارفون وإن سألت أحدهم عن أقرب الجيران منه لا يعرفه وربما لا يلتقون إلا على باب المبنى فأين هؤلاء من الإقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في معاملته مع جيرانه، فقد كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة جار يهودي يؤذيه وكان - عليه الصلاة والسلام - يصبر ويحتسب فلما مرض اليهودي زاره فدخل الرعب في قلب اليهودي ظنا منه أن محمدا - عليه الصلاة والسلام - جاء لينتقم منه مستغلا مرضه، وإذا به يفاجأ بأن النبي - صلى الله عليه وسلم – جاء ليواسيه ويسأل عن حاله ويقدم له العون إن لزم الأمر، عندئذ طأطأ اليهودي رأسه اعترافا له بالجميل وأعلن الشهادة وأصبح من المسلمين.
* ومن الإيذاء الشائع الطعن في أنساب الناس والنقيصة لهم في المجالس على سبيل التشهي واللهو.
* ومن الإيذاء الذي يستهين فيه البعض التدخل في خصوصيات الأقارب والجيران وتتبع عوراتهم وإبداء الرأي في أحوالهم وإلقاء اللوم عليهم ونقد تصرفاتهم دون استشارة منهم أو إذنهم وعلمهم بذلك في الوقت الذي لا يسمح المتكلم لأحد التدخل في شؤونه.
وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفضِ الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله». رواه الترمذي([11]).
* ومن صور الأذى أن يتفكه بعض الناس في المجالس بغيبة المسلمين والسخرية بهم ويجعل ذلك مادة للضحك والفرفشة وجذب الأنظار إليه، واعتبار هذا السلوك من الظرافة وخفة الروح وهو مع تحريمه يدل على سفه العقل ونقص المروءة.
* ومن الأذى الشائع أن يقف الإنسان في طريق أو مكان عام يراقب المارة ويتكلم عليهم ويضايقهم ويلمزهم ويؤذيهم بكل قبيح وقد نهي عن ذلك، فعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إياكم والجلوس في الطرقات» فقالوا: يا رسول الله مالنا بد من مجالسنا نتحدث فيها فقال: «فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه» قالوا : وما حقه قال : «غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». متفق عليه([12]).
* ومن الإيذاء الذي يجهله بعض الناس التدخل في عمل الغير ومتابعته وتقويمه وهو لا يمت بصلة بهذا العمل من أي جهة وليس مسؤولاً ولا مخولا بذلك فترى هذا الشخص إذا رأى موظفاً في أي مجال تكلم عليه وأثار المسؤول عليه وتدخل في شؤونه وأفسد عليه بينما كان الواجب عليه أن ينصحه إذا رأى تقصيرا واضحا بعد سؤاله والتثبت في ذلك.
* ومن الأذى الخطير الذي ينبغي على المسلم الحذر الشديد منه حسد الناس في أموالهم والتطلع لما في أيديهم وسؤال أهل الدنيا عن أحوالهم فإن ذلك يؤذيهم وينغص عليهم.
* ومن أعظم الأذى الذي يبتلى فيه بعض الجهال تنقص العلماء والحط من قدرهم ولمزهم واتهامهم في نياتهم وإخلاصهم والتطاول عليهم وجحد معروفهم وجهودهم في الأمة.
* ومن أعظم الأذى أن يكون لسان المسلم سفاحا يلعن المسلمين ويكفرهم ويبدعهم ويفسقهم لأدنى شبهة وأقرب مخالفة لمذهبه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر». متفق عليه([13]).
وحذر من التكفير فقال: «من دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه». رواه مسلم([14]).
* ومن الأذى العظيم الذي يستخف فيه بعض النساء السفيهات التدخل في المشاكل الزوجية وإفساد المرأة على زوجها وتحريضها على نزع يد الطاعة والخروج من بيت الزوج والنشوز عليه.
* ومن الأذى الخفي الذي لا يفطن إليه بعض الصالحين أن يبالغ في العقوبة ويفجر في الخصومة مع خصمه، وينتصر لنفسه بالباطل، ويتجاوز القدر الشرعي المأذون فيه، وربما تعدى تصرفه إلى النيل من عرض الظالم والطعن في عرضه وتتبع عورته وإظهار فضائحه، بينما كان المباح له أخذ الحق الشرعي والرد بالعقوبة المماثلة.
وأفضل له أن يعفو ويصفح ويسامح ابتغاء رضا الله وثوابه.
وإن بعض الناس هداه الله مؤذ في طبيعته معتد في طبعه لا يخالط أناسا إلا آذاهم ولا ينزل في مكان إلا حلت فيه المشاكل لا يطيقه أحد فهذا يجب عليه أن يستصلح نفسه ويكف شره فإن شق عليه ذلك أو تعذر فليعتزل الناس في اجتماعاتهم العامة إلا الجمع والجماعات يلزمه المداومة عليها.
قيل : يا رسول الله أي الناس أفضل فذكر المجاهد ثم قال: «مؤمن في شعب من الشعاب يتقى الله ويدع الناس من شره». متفق عليه([15]).
وكل ما ورد في النصوص في فضل العزلة فمحمول على كون الشخص يتعدى شره للغير ويغلب ذلك على طبعه.
إن التقصير في هذا الباب عظيم لا يمكن تداركه في الآخرة فينبغي للمؤمن أن يكون ورعاً حريصاً على أن لا يلقى الله وقد آذى مسلما وعرض نفسه للخطر وأذهب حسناته وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أتدرون من المفلس»، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال صلى الله عليه وسلم:«إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته من قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار». رواه مسلم([16]).
والحمد لله وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
******************
([1]) سورة الإسراء:53.
([2]) صحيح البخاري" (11)، ومسلم (42).
([3]) انظر "المسند" (2/45) وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
([4]) "صحيح البخاري"(2518)، ومسلم (84).
([5]) سورة الأحزاب:57-58.
([6]) زاد المسير " لابن الجوزي (5/149).
([7])زاد المسير " لابن الجوزي (5/149).
([8]) " المسند" (2/440) وإسناده حسن.
([9]) " صحيح البخاري"(5185)، ومسلم (47).
([10]) أخرجه البخاري (6065)، ومسلم (2558).
([11]) انظر " السنن" (2032).
([12]) "صحيح البخاري"(6229)، ومسلم (2121).
([13]) "صحيح البخاري"(48)، ومسلم (64).
([14]) "صحيح مسلم" (61).
([15]) "صحيح البخاري"(2786)، ومسلم (1888).
([16]) "صحيح مسلم "(2581)، وبعض ما تقدم مستفاد من بحث "خالد بن سعود البليهد".

المادة السابقة

الاكثر مشاهدة

2. وجعل بينكم مودة ورحمة ( عدد المشاهدات61438 )
7. لماذا تلبس المرأة الحجاب؟ ( عدد المشاهدات9322 )
8. لا تدفعوا عذاب الله بأيديكم ( عدد المشاهدات9238 )
9. أولاً: فضل طلب العلم. ( عدد المشاهدات9164 )
10. هل ذكر اللعب في القرآن بخير ؟ ( عدد المشاهدات8460 )
12. رابعاً: بعض أسباب حرمان العلم. ( عدد المشاهدات7619 )
14. والشجرة الملعونة في القرآن ( عدد المشاهدات7418 )

مواد مقترحة

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف