الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد.
فقال الله تعالى:﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ .
اختلف العلماء في معنى الفساد، فقال قتادة والسدي: "الفساد الشرك، وهو أعظم الفساد".
وقال ابن عباس وعكرمة ومجاهد: "فساد البر قتل ابن آدم أخاه، قابيل قتل هابيل. وفي البحر بالملك الذي كان يأخذ كل سفينة غصبا".
وقال ابن عباس:"هو نقصان البركة بأعمال العباد كي يتوبوا". قال النحاس: وهو أحسن ما قيل في الآية.
وعنه أيضا:" أن الفساد في البحر انقطاع صيده بذنوب بني آدم".
وقيل: الفساد المعاصي وقطع السبيل والظلم، أي صار هذا العمل مانعا من الزرع والعمارات والتجارات، والمعنى كله متقارب. تفسير القرطبي
وقال ابن زيد: ظهر الفساد في البر والبحر، أي الذنوب.
قال ابن القيم:"أراد أن الذنب سبب الفساد الذي ظهر، وإن الفساد الذي ظهر هو الذنوب نفسها، وقال بعض السلف: كلما أحدثتم ذنبا أحدث الله لكم من سلطانه عقوبة".
فنحن جميعا بحاجة إلى التقرب إلى الله تعالى بأعمال صالحة، تحط بها الخطايا والسيئات، وتكفر الذنوب والزلات، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : « اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها»، أخرجه الترمذي وقال : حسن صحيح "
والأعمال الصالحة كثيرة، وقد جاءت بها السنة النبوية داعية إليها، وفيها ما يغني عن تتبع الأحاديث الضعيفة، والعمل بها، ففعل الواجبات من الأعمال الصالحة، وترك المنهيات من الأعمال الصالحة، وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي :«وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه...» الحديث.
وفي هذه السطور أكتب ما وقفت عليه من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذكر الأعمال التي تكون سببا لمغفرة الذنوب، وقد قسمتها إلى ثلاثة أقسام أذكر في كل قسم ما يسر الله به، وتلك الأقسام على النحو التالي:
الأول :ما اتفق عليه البخاري ومسلم،
والثاني :ما انفرد به البخاري عن مسلم،
والثالث: ما انفرد به مسلم عن البخاري،
والله أسأل القبول والتوفيق والإعانة والتسديد.
الجزء الأول الأحاديث المتفق عليها:
* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه ).
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يَنْزِلُ ربُّنا تباركَ وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السماءِ الدنيا، حينَ يَبْقَى ثُلُثُ الليلِ الآخرِ، يقولُ: من يَدعوني فأَستجيبُ لهُ، من يَسْأَلُنِي فأُعْطِيهِ، من يَستغفرني فأَغْفِرُ لهُ ).
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ).
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده. فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد. فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ).
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ " قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: " فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا ).
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ، وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمِّ، وَلاَ حُزْنٍ، وَلاَ أَذًى، وَلاَ غَمِّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا؛ إِلاَّ كَفَّرَ الله بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ ).
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك. ومن قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر ).
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره، فشكر الله له فغفر له ).
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بينا رجل بطريقٍ، اشتدَّ عليه العطشُ، فوجد بئرًا فنزل فيها، فشرِب ثم خرج، فإذا كلبٌ يلهثُ، يأكلُ الثرى من العطشِ، فقال الرجلُ: لقد بلغ هذا الكلبُ من العطشِ مثلَ الذي كان بلغ مني، فنزل البئرَ فملأ خفَه ماءً، فسقى الكلبَ، فشكر اللهُ له فغفر له. قالوا: يا رسولَ اللهِ، وإن لنا في البهائمِ لأجرًا؟ فقال: في كلِّ ذاتِ كبدٍ رطبةٍ أجرٌ ).
الجزء الثاني الأحاديث التي انفرد بها البخاري عن مسلم:
* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمَّن القارئُ فأمِّنوا، فإنَّ الملائكةَ تُؤمِّنُ، فمن وافق تأمينُه تأمينَ الملائكةِ غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه ).
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من اغتسل يوم الجمعة وتطهر بما استطاع من طهر، ثم ادهن أو مس من طيب، ثم راح فلم يفرق بين اثنين فصلى ما كتب له، ثم إذا خرج الإمام أنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى ).
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه، ما لم يحدث، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه ).
الجزء الثالث الأحاديث التي انفرد بها مسلم عن البخاري:
* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من توضأ فأحسن الوضوءَ خرجت خطاياه من جسدِه. حتى تخرجَ من تحت أظفارِه ).
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من توضأ للصلاة فأسبغ الوضوء ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الجماعة أو في المسجد غفر الله له ذنوبه ).
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيًا من الذنوب).
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما منكم رجل يقرب وضوءه فيمضمض ويستنشق فينتثر إلا جرت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله إلا جرت خطايا وجهه من أطراف لحييه مع الماء ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا جرت خطايا يديه من أنامله مع الماء ثم يمسح رأسه إلا جرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء ثم يغسل قدميه إلى الكعبين إلا جرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء فإن هو قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل وفرغ قلبه لله إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه ).
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فيما يحكي عن ربِّه عزَّ وجلَّ قال" أذنَب عبدٌ ذنبًا. فقال: اللهمَّ ! اغفِرْ لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنَب عبدي ذنبًا، فعلم أنَّ له ربًّا يغفر الذنبَ، ويأخذ بالذَّنبِ. ثم عاد فأذنب. فقال: أي ربِّ ! اغفرْ لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبًا. فعلم أنَّ له ربًّا يغفرُ الذنبَ، ويأخذُ بالذنبِ. ثم عاد فأذنب فقال: أي ربِّ ! اغفرْ لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنبَ عبدي ذنبًا. فعلم أنَّ له ربًّا يغفرُ الذنبَ، ويأخذ بالذنبِ. اعملْ ما شئت فقد غفرتُ لك" . قال عبدُ الأعلى: لا أدري أقال في الثالثةِ أو الرابعةِ " اعملْ ما شئت ").
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا أدلُكم على ما يمحو اللهُ بهِ الخطايا ويرفعُ بهِ الدرجاتِ؟ قالوا: بلى. يا رسولَ اللهِ! قال: إسباغُ الوضوءِ على المكارهِ. وكثرةُ الخطا إلى المساجِدِ. وانتظارُ الصلاةِ بعدَ الصلاةِ. فذلكمْ الرباطُ. وليس في حديثِ شعبةَ ذكر الرباطِ. وفي حديث مالكٍ ثنتَينِ فذلكمُ الرِّباطِ. فذلكمُ الرِّباطِ ).
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وما من رجلٍ يتطهَّرُ فيحسنُ الطُّهورَ ثم يعمدُ إلى مسجدٍ من هذه المساجدِ إلا كتب اللهُ له بكلِّ خُطوةٍ يخطوها حسنةً. ويرفعُهُ بها درجةً. ويحطُّ عنه بها سيِّئةً. ولقد رأيتُنا وما يتخلَّفُ عنها إلا منافقٌ، معلومُ النفاقِ. ولقد كان الرجلُ يُؤتى به يُهادَى بينَ الرَّجُلَينِ حتى يُقامَ في الصَّفِّ ).
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، رضيت بالله ربًا وبمحمد رسولاً وبالإسلام دينًا، غفر له ذنبه ).
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قال حين يسمع المؤذن وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا غفر له ذنبه ).
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطوتاه إحداهما تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة ).
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا ).
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، كفارة لما بينهن، ما لم تغش الكبائر ).
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ).
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من امريءٍ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله).
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وحمد الله ثلاثًا وثلاثين. وكبر الله ثلاثًا وثلاثين. فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر ).
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَن أتمَّ الوضوءَ كما أمرَهُ اللَّهُ تعالى فالصَّلواتُ المَكتوباتُ كفَّاراتٌ لما بينَهنَّ ).
*وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أمَا علِمتَ أنَّ الإِسلامَ يَهْدِمُ ما كان قَبلَهُ، وأنَّ الهِجرَةَ تَهدِمُ ما كان قبْلَها، و أنَّ الحَجَّ يَهدِمُ ما كان قَبلَهُ؟ ).
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما يصيب المؤمن من شوكة فما فوقها، إلا رفعه الله بها درجة أو حط عنه بها خطيئة ).
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دخل على أمِّ السائبِ، أو أمِّ المُسيَّبِ. فقال" مالَكِ؟ يا أمَّ السائبِ! أو يا أمَّ المُسيَّبِ! تُزَفْزِفينَ؟" قالت: الحمَّى. لا بارك اللهُ فيها . فقال" لا تسُبِّي الحُمَّى. فإنها تُذهِبُ خطايا بني آدمَ. كما يُذهبُ الكِيرُ خبثَ الحديدِ ).
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أيعجزُ أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة؟ فسأله سائل من جُلَسائه: كَيْف يَكْسبُ أحدنا ألف حسنة؟ قال: يُسبح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة أو يُحط عنه ألف خَطيئة ).
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وأعنا على طاعتك، وبلغنا بعزتك، وثبت قلوبنا على دينك، ونجنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
كتبه أخوكم
محمد بن صلاح الصيرفي
ليلة الجمعة 5 شوال 1438هـ